
(اُنظُر يا سَيِّدي إِلى يَمينٍ ؛ فَخُذْ بِحَظِّكَ مِنَ الْحُزْنِ ، وَانْظُرْ إِلى شِمالٍ ؛ فَخُذْ بِحَظِّكَ مِنَ السُّرورِ ؛ فَلا خَيْرَ في الْحَياةِ إِذا لَمْ تَكُنْ حُزْنًا وَسُرورًا ، وَلَذَّةً وَأَلَمًا ، وَجِدًّا وَلَهْوًا . اُنـــْظُرْ عَنْ يَمينٍ ، وَانْظُرْ عَنْ شِمالٍ ، ثُمَّ انْظُرْ أَمامَكَ إِلى هذا الْبَلَدِ الْحَزينِ التَّعِسِ ، الَّذي يَعْدو عَلى حُقوقِهِ أَصْحابُ الْجِدِّ ، وَيَلْهـو بِمَنافِعِهِ أَصْحابُ اللَّهْوِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ عُدْوانَ أولئِكَ ، وَيَحْتَمِلُ لَهْوَ هؤُلاءِ ، مَحْزونًا حينًا ، مَسْرورًا حينًا آخَرَ ، ساخِرًا مِنْ أولئِكَ وَهؤُلاءِ دائِمًا ، لِأَنَّهُ قَدْ بَلا مِنَ الدَّهْرِ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ ، وَذاقَ مِنَ الْأَيّامِ حُلْوَها وَمُرَّها ، وَوَثِقَ بِأَنَّ عَدْلَ اللهِ قَريبٌ ، وَبِأَنَّ الْحَقَّ مُنْتَصِرٌ ، مَهْمَا يَتَّصِلْ سُلْطانُ الْباطِلِ ، وَبِأَنَّ صَرْحَ الْجَوْرِ مُنْدَكٌّ ، مَهْما يُشَيَّدْ بِأَضْخَمِ الْأَحْجارِ وَأَصْلَبِ الصُّخورِ ) طه حسين:
بَيْنَ بَيْنَ"، الطبعة الثانية عشرة سنة 1983م، نشرة دار العلم للملايين ببيروت، ص14